كتاب جنس الدماغ
هذا الكتاب: من الكتب الجادّة التي ناقشت باستفاضة أثر الفروقات البيولوجيّة على الأفكار والميول والسلوك، وهو من تأليف كلٍّ من آن موير وديفيد جيسيل
· آن موير: حاصلة على دكتوراة في علم الوراثة، وهي منتجة سابقة للبرامج في هيئة الإذاعة البريطانية، وعملت في الإذاعة الكندية في بريطانيا كمحررة للشؤون الأوروبيّة.
· ديفيد جيسيل: كاتب ومقدّم برامج تلفيزيونية في تلفيزيون هيئة الإذاعة البريطانية.
اقتباس من مقدمة المؤلفَين:
الرجال مختلفون عن النساء، وهم لا يتساوون إلا في عضويتهم المشتركة في الجنس البشري، والادعاءات بأنهم متماثلون في القدرات والمهارات أو السلوك تعني بأننا نقوم ببناء مجتمع يرتكز على كذبة بيولوجية وعلمية.
فالجنسان مختلفان لأنّ أدمغتهم تختلف عن بعضها؛ فالدماغ، وهو العضو الذي يضطلع بالمهام الإدارية والعاطفية في الحياة، قد تم تركيبه بصورة مختلفة في الرجال عنه في النساء، ولهذا فهو يقوم بمعالجة المعلومات بطريقة مختلفة عند كل منهما والذي ينتج عنه في النهاية اختلاف في المفاهيم والأولويات والسلوك.
ولقد شهدت السنوات العشر الأخيرة زيادة هائلة في البحث العلمي لمعرفة الأسباب التي تكمن وراء اختلاف الجنسين، فخرج الأطباء والعلماء وعلماء النفس والاجتماع أثناء عملهم، الذي تم بشكل مستقل، بمجموعة من النتائج التي لو أخذنا بها جميعاً فإنها تعطينا صورة متجانسة وهي في ذات الوقت صورة مذهلة من عدم التماثل بين الجنسين.
وأخيراً تم التوصل إلى جواب عن هذا النُّواح المزعج والمتمثل في: "لماذا لا تستطيع المرأة أن تصبح مثل الرجل؟". ولقد حان الوقت لنسف الأسطورة التي تقول بقابلية تبادل الأدوار بين الرجال والنساء إذا ما أُعطوا فرصاً متساوية لإثبات ذلك، ولكن الأمر ليس كذلك لأن كل شيء فيهما أبعد ما يكون عن التساوي.
وإلى عهد قريب كان يتم تفسير الاختلافات السلوكية بين الجنسين من خلال عملية التكيّف الاجتماعي، مثل توقعات الوالدين اللذين تعكس مواقفهما بدورها توقعات المجتمع ككل؛ فيُطلب من الأولاد الصغار عدم البكاء وإن الطريق إلى القمة يعتمد على الإصرار والعدوانية، وبهذا لم يعط أي اعتبار لوجهة النظر البيولوجية التي تقول بأننا قد نكون ما نحن عليه بسبب الطريقة التي خلقنا عليها، وهناك اليوم الكثير من الدلائل البيولوجية الجديدة التي تُهيئ الطريق كي تسود فيه حجة التفسير الاجتماعي للفروق، ولكن البرهان البيولوجي وفر لنا أخيراً إطاراً علمياً وشاملاً وقابلاً للإثبات بالدليل، والذي من خلاله نستطيع أن نبدأ في فهم لماذا نحن على ما نحن عليه.
وإذا كان التفسير الاجتماعي قاصراً، فإن الحجة البيوكيميائية (biochemical) تبدو وكأنها أكثر معقولية - بأنّ الهرمونات هي التي تجعلنا نتصرف بطريقة معينة ونمطية – ولكن، وكما سنكتشف ذلك لاحقاً، نجد أنّ الهورمونات وحدها لا تزودنا بالإجابة الشاملة عن السؤال، حيث أنّ الذي يؤدي إلى هذا الاختلاف هو التفاعل بين تلك الهرمونات وأدمغة الذكور أو الإناث التي أعدت سلفاً من أجل أن تتفاعل معها بطرق خاصة.
إن ما سوف تقرأه في هذا الكتاب حول الاختلافات بين الرجال والنساء قد يُغضب كلا الجنسين أو يجعلهما يشعران بالرضا، ولكن كلا هذين الموقفين على خطأ، فلو كان للمرأة من الأسباب ما يدفعها للغضب، فإن ذلك ليس لأنّ العلم قد قلل من قيمة المعركة التي كسبتها المرأة بعد كفاحها المرير من أجل المساواة، ولكن الغضب يجب أن يوجه أساساً إلى أولئك الذين يسعون إلى إساءة توجيه المرأة وإلى الذين ينكرون عليها جوهر تكوينها. فلقد نشات العديد من النساء في الثلاثين أو الأربعين سنة الماضية ليؤمنّ بأنهن أو أن عليهن أن يكن "مثل زملائهن الرجال"، وفي غمرة هذا كله تحمّلن الآلام الشديدة وغير الضروريّة والإحباط وخيبة الأمل، ولقد حملن على الاعتقاد أنه وبمجرد أن يقمن بتحطيم قيود تحيزات واضطهاد الرجال- السبب المزعوم في منزلتهن المتدنية – فإن أبواب الجنة الموعودة من المساواة سوف تفتح على مصراعيها، وستكون النساء، وبعد طول انتظار، حُرّات في تسلق وانتزاع أعلى مراتب المهن والحرف من الرجال.
وبدلاً من ذلك، وعلى الرغم من القدر الكبير من الحرية التي حصلت عليها المرأة في التعليم والفرص في الحياة وفي عدم خضوعها لقيود المجتمع، إلا أنّ النساء لم يحققن تقدماً مهماً بالمقارنة مع ما كان عليه وضعهن قبل ثلاثين سنة. والسيدة تاتشر ما زالت الاستثناء الذي يثبت القاعدة. ولقد كانت هناك نساء أكثر في الوزارة البريطانية في سنوات الثلاثينيات من هذا القرن مما هن عليه في الوقت الحاضر. كما أنه لم تحصل زيادة تذكر في عضوات البرلمان البريطاني خلال الثلاثين سنة الماضية، وبعض النساء، ومن منطلق إحساسهن بالقصور في الوصول والاقتسام المزعوم للسلطة والقوة، يشعرن بأنهنّ قد فشلن، ولكن الحقيقة هي أنهنّ فشلن فقط في أن يصبحن مثل الرجال.
ومن الناحية الأخرى يتعين ألا يكون هذا دافعاً للرجال للشعور بالفرح والسرور، على الرغم من أنّ بعضهم سوف يجد في ذلك سلاحاً من أجل زيادة التعصب، فمع أنّ معظم النساء لا يحسنّ قراءة الخرائط مثل الرجال، إلا أنهن أفضل في قراءة شخصية الإنسان، والناس كما نعلم، أهم من الخرائط. "سيحاول عقل الذكر، في هذه اللحظة، البحث عن استثناءات لهذه القاعدة".
وقد شعر بعض العلماء بالقلق حول مصير كشوفاتهم، فالبعض من هذه النتائج إما أن تكون قد طمست أو أنها وضعت بهدوء على الأرفف وذلك بسبب ردود الفعل الاجتماعية التي قد تثيرها، ولكنه من الأفضل عادة أن يتصرف الإنسان على ضوء ما هو حقيقي بدلاً من مواصلة الزعم بأنّ ما هو حقيقي يجب أن لا يسود.
والأفضل من هذا كله هو في أن نرحب بهذه الاختلافات المكمّلة لبعضها وأن نستثمرها، فالواجب على النساء في هذه المرحلة أن يساهمن بمواهبهن الأنثوية الخاصة بدلاً من تبديد طاقتهن في البحث عن بديل ذكوري لأنفسهن، فيستطيع خيال المرأة الخصب مثلاً أن يجد الحلول لأصعب المشكلات – مهنيّة كانت أو منزلية – بضربة حدسيّة واحدة.
إنّ أكبر مبرر يمكن أن يسوقه الإنسان للدفاع عن فكرة وجوب الاعتراف بالفوارق بين الجنسين هو أنّ الاعتراف بهذه الفوارق قد يجعلنا أكثر سعادة، فإدراكنا، على سبيل المثال، بأنّ للجنس مصادر ودوافع وأهمية مختلفة في أدمغة الذكور والإناث،... قد يجعل منا أزواجاً وزوجات أفضل، وأكثر مراعاة لحقوق ومشاعر الطرف الآخر، كما أنّ الإدراك بأنّ الرجال والنساء غير قادرين على تبادل أدوار الأبوة والأمومة فيما بينهم قد يجعل منا آباء وأمهات أفضل.
ولكن الاختلاف السلوكي الأكبر بين الرجال والنساء هو في عدوانية (aggression) الرجال الطبيعية والمتاصلة فيهم والتي تفسر إلى حد بعيد هيمنتهم التاريخية على بقية الأجناس الأخرى، والرجال لم يتعلموا هذه العدوانية من أجل استخدامها في الحرب الدائرة بين الجنسين، ونحن بدورنا لا نعلم أطفالنا كي يصبحوا عدوانيين، مع أننا في الواقع نحاول عبثاً أن ننزع منهم عدوانيتهم، وحتى أكثر الباحثين معارضة للاعتراف بالفوارق بين الجنسين يقرّون بأن العدوانية هي ميزة ذكورية، وأنه لا يمكن تفسير وجودها من خلال عملية التكيف الاجتماعي.
وبإمكان الرجال والنساء أن يجعلوا حياتهم أكثر سعادة، وأن يفهموا ويحبوا فيها بعضهم أكثر، كما يمكنهم تنظيم عالمهم بشكل أفضل، إذا ما اعترفوا بفوارقهم، ويستطيعون بعد ذلك أن يؤسسوا حياتهم على الأعمدة الثنائية لهوياتهم الجنسانيّة المميزة. فلقد حان الوقت كي نتوقف عن التنازع العقيم حول مقولة إنّ الرجال والنساء خلقوا متساوين، فهم لم يخلقوا كذلك ولن يستطيع أي مقدار من المثاليّة أو من الخيال الطوبائي تغيير هذه الحقيقة، ولكنها بالتأكيد ستؤدّي إلى توتر العلاقة بين الجنسين.