مما ورد في الفقرة السابقة يتضح لنا القوانين العراقية يجب ان تتوافق مع المواثيق والاتفاقيات الدولية، كما احتوى الدستور العراقي على ضمانات شاملة للمساواة أمام القانون(المادة 14)، والحق في الحياة و الأمن الشخصي(المادة15)، و منع شامل للعنف(المادة 29)، هذه المواد مجتمعة تخدم ضمان حماية المرأة من العنف من قبل الدولة.
ولكن بالرغم من ذلك، يحوي قانون العقوبات العراقي لعام 1969، والقوانين اللاحقة الصادرة من مجلس قيادة الثورة السابق على عدد من الأحكام التي تتغاضى عن العنف ضد المرأة، وذلك بتوفير الأحكام المخففة او الإعفاء من المسؤولية الجنائية في بعض الحالات، لمسببي العنف على المرأة، ومن الأمثلة على ذلك:
· في مجال العنف الأسري، اعتبر قانون العقوبات العراقي، معاقبة الزوج لزوجته في مصاف تأديب الأطفال و كأعمال العنف التي تقع على من ارتكب جناية بقصد ضبطه.
حيث اعتبرت المادة 41 من قانون العقوبات ان ضرب الزوجة "حقا شرعيا"، وعليه لا يقع حق فيما وقع الفعل استعمالا لهذا الحق، و مع ان القانون قد بين ان مثل هذه الأفعال مسموح ببعض الحدود المبينة في القانون او العرف، الا ان القانون لم يبين هذه الحدود، والحدود العرفية غير مبينة بطبيعتها.
نص المادة رقم 41 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969:
" لا جريمة اذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالا للحق:تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم، الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعا او قانونا او عرفا"
لكن قد يكون العنف الزوجي مبررا لطلب التفريق، حيث يعتبر سببا شرعيا لطلب الطلاق.
· في مجال القتل و الأعذار المخففة( جرائم الشرف)، يعتبر القانون الجزائي العراقي الجرائم المسماة بجرائم الشرف مختلفة عن الجرائم الأخرى حيث يمنح أحكاما مخففة في قضايا الشرف.
ففي حين ان العقوبة المعتادة لجريمة القتل هي اما الإعدام او السجن مدى الحياة، نجد ان قانون العقوبات يقدم استثناءا في قضية الرجل الذي يقتل زوجته او احد محارمه عندما يفاجئها في حالة تلبسها بالزنا، ويحرم البند نفسه ضحية او ضحايا هذا الفعل من أي حق شرعي في الدفاع عن النفس.
وفي سنة 2001 صدر قانون يعطي أحكاما مخففة للرجل قريب المتوفاة والمرتكبة للفعل الشائن اذا ما قتل شخصا ما لإشارته الى الفعل الشائن للمتوفاة، ويعاقب بالإعدام من قتل عمدا بدافع الثأر للمرأة المتوفاة ولا تسري عليه الأعذار القانونية او الظروف القضائية المخففة، ولا يشمل بأي عفو عام او خاص( نحن لسنا مع مسالة الثأر ولكن هذا النص يعطي حافزا للقاتل بان لا احد سيفكر بالثأر منه خوفا من عقوبة الإعدام).
و يجدر الإشارة الى انه تم تعليق القوانين التي توفر الأحكام المخففة فيما يخص جرائم الشرف، في إقليم كردستان منذ سنة 2000.
· في مجال الاغتصاب و الاعتداء الجنسي، أولا يعتبر قانون العقوبات هذه الأفعال جرما خاصا، وهذا معناه ان الدولة لن تتخذ أي إجراء من دون موافقة المشتكية او ولي أمرها الشرعي، وهذا معناه ان مرتكب الجريمة لن يعاقب حتى لو علمت الدولة بهذه الجريمة، ثانيا ان القانون قد أشار الى العقوبات القصوى في هذه القضايا وهي الحبس لمدد مختلفة حسب نوع الجريمة ، ولكنها لا تشير الى الحدود الدنيا لمدة الحبس، وعليه ممكن ان تكون مدة الحبس بسيطة جدا لعدم توفر حدود دنيا للعقوبة.
· اما في مجال الخطف، هنا أيضا حدد قانون العقوبات الحدود العليا لمدة السجن دون الإشارة الى الحدود الدنيا لمدة العقوبة.
كما ان الحكومة لا تقدم الدعم المالي للمنظمات التي تحاول فتح ملاجئ لإيواء وتأهيل النساء اللواتي تعرضن للخطف، وكذلك تضع المعوقات أمام توفير مثل هذه الملاجئ.
كما ان في قانون العقوبات إضافة تخص الحالتين السابقتين، الا وهي ان مرتكب جرائم الاغتصاب الجنسي او الخطف مع الاعتداء الجنسي على المخطوفة،تسقط عنه كافة التهم اذا ما تزوج الضحية لمدة ثلاث سنوات حتى وان صدر حكم بحقه، ويعاد فتح القضية اذا طلقها خلال مدة الثلاث سنوات بدون سبب مشروع او بطلاق حكمت به المحكمة لأسباب متعلقة بخطأ الزوج أو سوء تصرفه قبل إتمام السنوات الثلاثة.
ان مؤيدي هذا الحكم يبررونه بأنه أجيز من اجل مصلحة الضحية، كي يعاد لها شرفها بفضل الزواج، ولكن لنأخذ الأمر من زاوية الفتاة تعاني من تجربة مرعبة وقاسية مثل الاغتصاب او الخطف، ثم بعد ذلك تجبر وتضطر الى الزواج من المعتدي عليها، ألا تتوفر للدولة البدائل المناسبة لإنصاف حق هذه الفتاة؟، كما ان هذه المادة ستؤدي الى إسقاط الرادع لارتكاب مثل هذه الجرائم، بما ان المعتدي بإمكانه الإفلات من العقاب بزواجه من الضحية لمدة ثلاث سنوات.
· اما في مجال قطع الأعضاء التناسلية للإناث، حيث لا توجد قوانين محددة في هذا النوع من الممارسات الخاطئة، بالرغم من الآثار الرهيبة على الصحة العقلية والبدنية للفتاة وكذلك النتائج الخطيرة التي تنتج عنها مثل انتقال الأمراض و الآلام الحادة او التعرض الى احتمال الوفاة خلال الولادة.
ان هذه الممارسات غير شائعة في القطر باستثناء ريف كردستان نتيجة للاعتقاد الخاطئ بان هذه الممارسة مطلوبة في الشريعة الإسلامية.
· وفي مجال الاتجار والبغاء، بالرغم من وجود قوانين تدين وتجرم هذه الأفعال الا انه ونتيجة للوضع الأمني منع ذلك وزارة الداخلية، المسئول الأول عن هذه القضايا، من القيام بواجبها حيث لغاية شهر آذار عام 2006 لم تقم الوزارة بأي تحقيقات تتعلق بهذا الموضوع، كما ان التدريبات التي تقدمها لكوادرها لا تشمل على قضية الاتجار في مناهجها.