[
إن ما يجعلني صامتاً وحزيناً هو الفوضى التي أراها أمامي، تسرح وتمرح ، والناس حولها لاهون، لا يحسون بسمها القاتل المدسوس في اللامبالاة والاندفاع إلى تحقيق مآرب سداها التهور ولحمتها المكاسب الرخيصة، لقد ضربت هذه الفوضى اطنابها في كل مرافق الحياة، البيت، المدرسة، الشارع ، السوق الدوائر الحكومية ، الصحف ، فصار الواحد منا لا يدري اين المهرب من هذا الركام الهائل من الازمات التي هي وليدة الفوضى وحارسها الأمين لقد اصبح اغلب الناس يائسين متذمرين لا يقيمون وزنا لشيء في الحياة، مما شجعهم على التمرد واكتساح كل ما في طريقهم من مثل عليا يدعون انهم ابناؤها الذين رضعوا قيمها السامية وتمسكوا بعروتها الوثقى ، اين القوانين التي تردع الفوضى، أين يذهب الضعيف الذي يسومه الاقوياء خسفاً ويمتهنون كرامته إذا كانت يد القانون مشلولة لا تستطيع ان تحرك ساكناً او تردع مجرماً عن ارتكاب أبشع الجرائم في وضح النهار وعلى رؤوس الاشهاد، إن من يعيثون فساداً في هذه الارض أصبحوا اقوياء متنفذين لان الذين يحملون سيف القانون ضعفاء منخورون بالفوضى والاهمال وعدم الشعور بالمسؤولية فكانت النتيجة ان اصبحوا وقوداً لنار يزيدها التمادي في الغفلة اشتعالاً بدلاً من ان يقبرها في مهدها اناس جديرون بالمسؤولية قولاً وفعلاً.
لقد اصبح الكثيرون يتلذذون بالفوضى ويعدونها نعمة يشكرون الله عليها، فها هم يتفلسفون ويسبون هذا المسؤول، ويلعنون من لا يعجبهم مُلصقين التهم جزافاً بكل من لا يوافق مزاجهم حتى لقد اصبح من لا يعرف يمينه من شماله يخوض مع الخائضين في تحليل الامور ورسم سياسة البلد شاطباً بجملة غير مفيدة حزباً او قائداً من قائمة الوطنية بتهمة يخلقها خياله المريض في ظل الفوضى والانفلات الاخلاقي الذي يجعل من الديمقراطية متكأ يستند عليه، فإذا ما حاججه احد او طلب منه الانضباط، صرخ هائجاً: ألسنا في زمن الديمقراطية، لماذا تحجرون على عقلي ان يصرح بما يراه، لقد تكسرت مراة الديمقراطية الى شظايا من الفوضى لان الديمقراطية كلمة مقدسة لا يفهمها شذذ الافاق وسليلو الطغيان ، كهان الموت وبائعوا الضمير على اعتاب الشيطان.
في نظر هؤلاء ان الديمقراطية ان تشتمني فأسكت وتقتلني فلا اجادل او أشاكس، فقد تربوا ولسنين طوال على قانون اسمه (الطاعة العمياء) حيث كان المسدس هو الآمر الناهي ولا حكم إلا حكمه والخارج عنه مآله الموت الزؤام.
حين تصبح الديمقراطية بلا حامٍ يذود عنها، ولا قانون يكبح المتطاولين عليها تخرج من مدارها المنضبط الى افق واسع من الفوضى والاستهتار بقيم الحياة، عندها تبدأ الكوارث والفواجع، والشاهد على هذا ما نراه امامنا من احباط بدأ يتشكل شيئاً فشيئاً في القلوب والكل يصرخ، أين القانون؟ اين المخلصون الذين يقولون كفى أيتها الفوضى لعباً في مصائر الناس وامنهم وسلامتهم، ويقرنون قولهم بالفعل، قبل ان يأتي يوم لا ينفع فيه الندم ولا عض الاصابع أسفاً.
[/size]
الثلاثاء أبريل 08, 2008 5:03 am