في ليله من ليالي الشتاء الباردة ,كان ناقوس الصمت يخيم في ضواحي مدينه مشلولة بالأحزان ,حيث الظلام والبرودة تلقي لسعاتها في الوجوه ,وكان طوفان التشاؤم يجرفني وتكاد الكآبة تغرقني والأسى يقتلني لمأساة تلك الفتاه ..
فروحها تعفرها الجراح ,ووحدتها تتبع مركب صدقي بالبكاء والأنين والنواح ,يا إلهي ساعدني .. إن أنينها يعم المكان , وإحساسها يغوص في أعماق البحار .. فتنتقي أصداف ومحار .. ترانيم أحزان .. يعزف ألحانها عاشق معدم .. يا ويلي أمام هذا الليل الدامس من قمر راح ,إذ رحلت روحها خلف نعش وحدتها ,كالطير المكسور الجناح ,فهاجت حروف كتابي نحوها تنفض أتربه وذرات غبار ,من صمت الأيام .. وحكاية الأزمان .. وضللت أسأل نفسي في صمت مباغت .. تمددت على إثرها ضلال حروفي قبل أن تذوب في عتمه ليل غامض أما لهذا الليل آخر...............؟؟؟
لقد دأب الموت لحال تلك الفتاه اليتيمة ,بعدما خطف الموت والديها وهى أروع ما تملكه في حياتها ,فرجعت تتلذذ بطفولتها التي افتقدتها والماضي أروع ما يملكه الإنسان إذا ما رحل عن هذه البسيطة الفانية ,كشاهد بعزله العين ,وبعين تلك الطفولة الحالمة كي تشارك الأطفال في صنع القلاع الرملية ,على أرض من رمل .. ولكنهم تركوها وحيده تصور وتصارع لوعه طفولتها التي افتقدتها ,فترشدها الألآم والأحزان إلى المصائب ,تطفو تارة وتغطس تارة أخرى .. وكلما لاحت بارقة الأمل لتلك الفتاه أو هد لت حمامه تنوح أطلقوا عليه رصاص الأسى ..!! فلا سفينة ولا ناجين ,إنما الطوفان .. طوفان الظلم والقهر يتسبب فيه الجالسون على كراسي من دموع الناس, لا يكترثون لعويل الثكالى ودموع الأطفال ,حتى حروفي اشتكت فيني وبكت لشده لوعه تلك الفتاه الحزينة وهى تروي علي قصتها ....
ففي إحدى تلك الليالي الحزينة لضوء القمر ,كنت عائدآ إلى منزلي كعادتي بعد أن قضيت وقتآ شاقآ بعمل أشق به نفسي على دنيا فانية ,كان الصمت يصدر أنينآ مرهفآ بين حشرجة الأشجار ,وكأنه إنسان يبكي لخطبآ ما ,
فتبعت ذالك الأنين حتى دنوت منه ,وإذا بفتاه لم تبلغ سن الحلم أتعبها الجوع والأسى نائمة بين الأشجار ودموعها منهمرة على خديها المحمرتين كدره بدر طالع .. وكانت الأشجار كالعائلة لتلك الفتاه اليتيمة ,إذ كانت ملامح الحزن على وجنتيها "كسفينة مغادرة بلا قبطان ,ولا يوجد بداخلها بحارة ولا ربان !!
فهي سفينة لا تعرف السكينة ,وليس بها كبينة ,وملامح قصة حزينة بأوتار الأسى مدينة" .....
لقد ضاقت الأرض .. ضاقت !! وما زال صوت الأنين يدوي ويزعق ملء السماوات .. حالت بها دائرة لأفق ,تسافر بأحلامها بحثآ عن والديها .. تحمل عبئها وقدرها وحدها على جناح الشوق .. تنتظر بشوق قديم حضور والديها من سفر دائم وطويل .. آآآآآه .. لبراءة تلك الفتاة التي أبكاني منظرها اليائس ,فتارة تبكي وتارة تحن وتارة يغتالها الشوق .. والشوك حتى استطال جرحها على مستطيل حياتها ,وقلبي شراع أسافر معها إلى كل أفق ,حتى هبطنا بوادي الموت ,وقالت لي بصوت حفيف مخيف يرهق القلب , هنا مكاني يا عم .. هنا سيطول غيابي .. هنا سيتبدد نور النهار .. هنا سيتوقف خيال سكرتي .. هنا سيتوقف عالمي الذي لا عزاء له .. هنا لا أحد سيسمعني غير الذي خلقني .. هنا سأرى والداي هنا أودعك يا عم بصمت كساني وغير أحوالي .